كيف بدأ الحب ؟ا
اقتباس من رواية نطفة لادهم الشرقاوي :
كيف بدأ الحب ؟
تقول الاسطورة انه في البداية لم يكن هناك حب, و أن الانسان اكتشفه مصادفة كما اكتشف النار فانقلبت حياته رأسا على عقب ! . كان البشر ذكورا و اناثا يعيشون في بقعة ما في هذه الارض بلا مشاعر ولا أحاسيس, مجرد غرائز تحكم هذا النوع الذي اصبح بعد اكتشاف الحب نحن .و كان الرجل اذا هاجت غريزته أخد هراوته كما لو كان ذاهبا الى الصيد , و ضرب امرأة على رأسها فتسقط أرضا , ثم يجرها الى كهفه ليلتهمها كما يلتهم طريدته .و كانت المرأة ترى هذا العنف ضربا من الغزل, فلو لم تكن فاتنة لما طالتها الهراوة دون غيرها من النساء متناسية أنه لم يضربها من بين نساء اخريات ! كل ما في الأمر أنها كانت اول امرأة صادفته , و لكن من حق كل انسان ان يفرح بالامور الجيدة و لو وقعت صدفة !
غير أن رجل الكهف كان ملولا لا يمكث على امرأة واحدة فكما كان يصطاد طريدة كل نهار , كان يصطاد امرأة لكل ليلة !
و بقيت الحال على هذا المنوال الى أن رأى رجل في المنام امرأة فاتنة , جائت أليه بملء ارادتها ! و مشت معه الى كهفه دون أن يضربها بهراوته على رأسها . و كانت تلك اول مرة يرى يها امرأة تدخل الكهف ماشية على قدميها لا مسحوبة اليه من شعرها
و عندما استيقظ أخد هراوة ورثها عن رجل آخر أغلب الظن أنه ابوه !
و خرج يبحث عنها بين النساء ليصطادها , و كانت تلك أول مرة ترى النساء رجلا يطلب امرأة بعينها , فقد جرت العادة أن تكون الهراوة من نصيب أول امرأة يعثر عليها الرجل !
و عندما لم يجدها بين النساء عاد الى الكه يجر اذيال الخيبة ...
و كانت تلك أول مرة يبيت فيها رجل وحيدا !
في تلك الليلة أصابه الأرق
و ظل حتى قبيل الفجر يفكر بها و بين لحظة و اخرى ينظر الى باب الكهف عله يراها تدخل و تزيح عتمة الليل
و عندما انهكه السهر و الانتظار نام ...
فرآها في منامه أيضا جالسة على ضفة النهر و قد غمست قدميها في الماء , و كانت فاتنة كما البارحة , و حين ابتسمت له اصيب بالدهشة من الخفقان الذي استعر في صدره , فهده العظلة التي اسماها البشر فيما بعد قلبا لم تكن تضطرب الى في لحظة فرار من حيوان كاسر و لكن هذه المرة حلت اللذة مكان الخوف !
تقدم اليها ببطء و حذر كطفل يمشي خطواته الاولى ...
و عندما صار على بعد خطوة منها , انتبه الى حفلة الالوان فيها , فقبلها كان يرى النساء بالابيض و الاسود
لون شفتيها الاحمر كان كلون الورد الذي رآه في المرج يوم كمن لغزال يريد اصطياده
لون بشرتها كلون الثلج الذي افاق ذات يوم فوجده يكسو الارض عند باب كهفه
و اللون الأسود في عينيها لم يكن مخيفا كعتمة الليل و ان بدا كأنه قطعة منها
كان يحمل هراوته بيده ، ولكنه شعر أن امرأةً كهذه حرام أن تُضرب على رأسها . . .
فقال لها : تعالي معي إلى الكهف
فقالت له : ليس مُقدراً لنا أن نلتقي ؟
ولم جئت إلى إذاً ؟ !
كي يلتقي الآخرون ؛ على أحد أن يمشي الخطوة الأولى نيابة عنهم ، ثم يكملون هم الطريق ، وقد وقع الخيار عليك ، قدرك أن تكون صاحب الخطوة الأولى ؟
عديني أني إذا مشيت الخطوة الأولى نيابة عنهم أن ألتقيك !
ولم تريد أن تلقيني ؟ قال لها وهو يضع يده على صدره : أريد أن أطفيء النار التي هنا ؟
فقالت له : هذه النار لم تُوقد لتنطفىء ! | مليارات القلوب ستكون حطباً لها ليبقى هذا الكوكب دافئاً
أنا لا أفهمك
ليس عليك أن تفهم ، عليك أن تمشي فقط ، وحدهم الذين تمشي نيابة عنهم سيفهمون ، وسيطعمون قلوبهم لهذه النار وهم سعداء ، لأنهم سيكتشفون أن هذا الكوكب دونها صنيع لا يُطاق !
لا أريد أن أمشي نيابة عن أحد . . .
إن قدمي لي !
سيأتي بعدك أشخاص لن تكون قلوبهم لهم سيحملونها في صدورهم ويعرفون أنها للآخرين ! هذا قدركم أن يجعلكم الحب للآخرين ! . . .
وما هو الحب ؟ ! . - النار التي في صدرك سيسميها اللاحقون حبا
وماذا إن أطفأتها ؟ !
لا تستطيع . . .
أخبرتك أنها لم تُوقد لتنطفيء ، قدرك أن تكون الشرارة الأولى للنار التي ستجعل هذا الكوكب دافئاً
وهل سيعرفني الذين سميتهم باللاحقين ؟ !
لا أعرف . . . ولكن كثيرين منهم سيعانون الفقد الذي تعانيه . . .
حينما وجد الحي وجد الفقد ؟
لماذا سيُحب اللاحقون ما داموا سيفقدون ؟ !
سيُحبون دون أن يعرفوا أنهم سيفقدون ، ولكنهم عندما يفقدون لن يكونوا نادمين على التجربة ، ولو عادوا إلى أوّل الطريق لأحبّوا من جديد ولو علموا هذه المرة أنهم سيفقدون - أخبريني كيف أمشي نيابة عنهم !
عندما تستيقظ امش خارج هذه الغابة ، ستجد هناك نهراً ، وسيكون هذا أول نهر من بين سبعة أنهار عليك أن تجتازها ! وعندما تجتارُ النهر السابع ستجد نفسك أمام جبل ليس عليه إلا شجرة واحدة ، تسلق الجبل ، وعندما تصل إلى الشجرة ستجد عند جذعها الفخم كهفاً ، ادخله دون حذر ، سيحتاج اللاحقون هذه الجرأة عندما يُحبّون ! وعلى جدران المغارة ستقرأ ما الذي عليك أن تفعله بعد ذلك . . .
وماذا لو افترسني حيوان ولم أصل ؟ ! أسيبقى هذا الكوكب صقيماً لا يُطاق ! !
قدرك أن تصل ، وقدرُ هذا الكوكب أن لا يبقى صقيعاً ، الناس على هذه الأرض لا يمشون إلا في دروب أقدارهم !
قلت أني سأقرأ . . . ما معنى أن أقرأ ؟ !
أشياء منقوشة على الجدران ستفهمها رغم أنّك لم تشاهدها من قبل ! وكما سيكتشف اللاحقون أن الحب هو الذي يجعل عالمهم دافئاً ، سيكتشفون أيضاً أن القراءة هي التي ستجعل عالمهم مشتعلاً !
ومع ساعات الفجر الأولى استيقظ . . اغر كانت الحياة قد دبّت في هذا العالم من جديد . . . وكان الحلم محفورة في ذهنه كخطوة فيل ضخم في الطين ! فنهض عازماً على أن يمشي الطريق نيابة عن الذين لم يأتوا بعد . . . وأن يُشعل النار التي ستجعل عالم اللاحقين أدفأ ، وستمنحهم لقاءات لم يحظ هو بها ! كان كل شيء في أعماقه بدفعه لأن يسير . . .
وبالفعل أمسك هراوته كما اعتاد أن يفعل كل يوم إذا أراد أن يغادر كهفه . . . ولكنه قال في نفسه : ما حاجتي إليها ، لن يفترسني حيوان في الطريق ، قدري أن أصل ، والناس لا يمشون على هذه الأرض إلا في دروب أقدارهم !
ألقى الهراوة أرضاً ، ومشى خارج الكهف أولى خطوات الرحلة التي ستغيّرُ هذا العالم إلى الأبد . . .
كان يحفظ الدرب عن ظهر قلب وكأنه مشاه من قبل !
عليه أن يخرج من الغابة ليجد النهر الأول ويجتازه ، وهكذا عليه أن يمشي ويمشي حتى يجتاز سبعة أنهار ، ثمّ يجد نفسه أمام جبل ليس عليه إلا شجرة يتيمة ، عند جذعها الضخم كهف يحوي الستر العظيم الذي سيكون اللاحقون فيما بعد مدينين له أنه اكتشفه . . .
وبالفعل سار مغادرة الغابة دون أن يُودع أحداً ، لم يكن الناس وقتذاك يحفلون بالوداعات ، فلا مغادرُ يُفتقد ، ولا غائب يُنتظر ! الحياةً صراع من أجل البقاء ، عندما يصطاد أحدهم طريدة يكون قد انتصر في هذه المعركة ، ولكن كسب المعركة لا يعني كسب الحرب ، فعليه أن يخوض كل يوم معركة أو أكثر ليبقى ! لهذا لم يكن البشر يهنىء بعضهم بعضاً بعد الفوز معركة ، ولم يكونوا يفتحون العزاءات إذا حدث أن أصبح صيّاد الأمس طريدة اليوم . إنها الحياة وعليها أن تستمر . . .
لهذا استمر صاحبنا يمشي مُخلّفاً وراءه مجموعةً من الناس لا يربطه بهم شيء سوى أنهم شركاء صيد ! يتعاونون للإيقاع بطريدة ، ثم يأخذ كل واحد منهم حته ويأكلها منفرداً ، وطبعاً لا يحصلون جميعاً على حصص متساوية ، كانوا مثلنا اليوم ، | الذي يملك هراوة أكبر يمسك بزمام الطريدة ، ويوزعها بالتفاوت كما يشاء بعد أن يأخذ الحصة الأكبر وبعد أن مشي ساعات . . .
كان التعب قد بلغ منه مبلغاً ، ففكر أن يجلس ليستريح قليلاً ، ولكنه لاحظ أن الضوء في الغابة صار أقوى فعرف أنه صار في نهايتها ، وأنه عمّا قريب سيكون عند النّهر الأول ، فتناسي تعبه ، وعاد يخطو بين الأشجار كأن لم يمته نصب من مسير ، وما هي إلا لحظات حتى كانت آخر شجرة في الغابة عند كتفه ، والنهر الموعود أمام ناظريه ، مشي صوب النّهر ، وعندما وصل إلى الضفة جثا على ركبتيه ، وأنزل رأسه ليشرب فلم يكن البشر وقتذاك قد تعلموا كيف يعرفون الماء بأيديهم حني ! شرب بتهم الحقول التي تشققت من قسوة الشمس وقد عاودها المطر ، ثم رفع رأسه يلتقط أنفاسه ، كان كقدّم بُترت رفيقتها وعليها أن تحمل صاحبها فيما تبقى له من حياة وحدها ! وهكذا نزل إلى النهر يُفكر باللاحقين ، بلقاءات ستُرتُبها خطوائه هذه فيما بعد ، أراد للاحقين أن يلتقوا ، فقد عرف كم هو مؤلم أن يُحب الإنسان ويُحرم اللقاء !
كان الماء يُبردُ حرارة جسمه وينعشه . . . وعندما وصل إلى الضفة الأخرى عمد إلى دالية تتكئ على كتف النهر ، وأخذ منها قطف عنب ، فقد علم بخبرة رجل الأدغال أن هذا الثمرُ صالح للأكل ! أكمل طريقه وكأن الرحلة بدأت للتو . . .
وهكذا ظل يسير أياماً . . . يُودّع نهراً ويستقبل آخر . .
وعندما يصل نهراً يشرب ويغتسل . . . ويقتات في الطريق ما يجد . . . وإذا ما جنّ عليه الليل اختار شجرة وصعد إليها لينام . وهكذا مضت الأيام ، نهار يطويه ليل ، وليل يطويه نهار حتى كان أمام ضفة النهر السابع شعر بشيء من الرهبة عندما شاهد الشجرة الموعودة على سفح الجبل الأجرد ، ولكنه تذكر كلامها يوم قالت له : كُن جريئاً ، سيحتاج اللاحقون هذه الجرأة عندما يُحبّون ! نسي هذه المرة من فرط الحماس أن يشرب ، اجتاز النهر بسرعة ، ولم يجلس على الضفة الأخرى ليستريح ، كل ما كان يريده أن يصل إلى الشجرة ليدخل إلى الكهف . . . وهكذا صعد الجبل غير عابئ بناتىء الصخر ، كان يمشي برشاقة كأنه في سهل منبسط لا في جبل يكاد يكون عصياً على التسلق ، وما أن وصل إلى الشجرة ونظر إلى الكهف ، علم بخبرة رجل الكهف أن هذا هو الكهف المقصود ، ثمّة أماكن تكللها هالة من السحر ، نشعر بها ولا نستطيع أن نشرحها !
دخل إلى الكهف فوجده محفوراً في الجبل مسافة أبعد مما اعتاد أن يرى ، ووجد الجدران مطرزة بنقوش لم ير مثلها من قبل ! وقف أمام الجدار الذي لا يُرى آخره وقرأ عليه : ۔ لقد وصلت حيث كان مقدراً لك من البداية أن تصل ، قبلك لم يأت أحد إلى هنا ، وبعد لن يأتي أحد ! أنت الجذوة التي ستشعل نار الحب التي سيبتلى بها مليارات من المحبين ، وسيحترق بها مليارات أيضاً ، تابع طريقك ولا تخف ! سار إلى داخل الكهف دون أن يشعر بالخوف من المجهول ، كان ممتلئاً بالدهشة عن آخره فقط ، وعلى بعد ما يقارب مئة خطوة من الجدار الأول إذا به أمام جدار آخر عليه كتابة تقول : كنت جريئاً منذ البداية وتبعت حدسك ، كل الذين تركتهم خلفك لا يعرفون ما معنى أن يتبع المرء قلبه ، ولكنك عندما تصل سيكتشفون أنهم لم يولدوا ليأكلوا ويتكاثروا و يموتوا ، سيصبح للحياة طعم ألذ من العنب الذي أكلته عند ضفة النهر الأول ! مشى إلى عمق الكهف أكثر فإذا به يصل إلى نهايته ، هذه المرة لم تكن الكتابات على جانبه ، وإنما أمامه على الجدار الذي ينتهي عنده الكهف ، فقرأ : لم يعد أمامك خطوات أخرى ، كل ما كان عليك أن تمشيه قد مشيتنه ، في آخر هذه الكلسات ستجد كفاً محفورة بالصخر تماماً على مقاس يدك ، كل ما عليك أن تضع كفك في الكف المحفورة لتحترق ! وسيأتي اللاحقون بعدك ليقولوا كذباً : لا دخان بلا نار ! والحقيقة أنه لا حُب دون نار ، كل من يُحب سيحترق شاء أم أبي ، لست إلا أول النار ، وكل الذين بعدك حطبها ، وعندما تضع كفك حيث قُدّر لك أن تضعها سيتغيّر العالم اعتباراً من هذه اللحظة لن تُضرب النساء بالهراوات ولن يصبح الرجل الأكثر فتنةً هو الأكبرُ هراوة ، وإنما الأكبر قلباً ؛
اعتباراً من هذه الحظة لن تجر النساء إلى الكهوف من شعورهن وإنما من قلوبهن !
اعتباراً من هذه اللحظة لن تتساوى كل النساء في عين رجل ولن ينساوي كل الرجال في عين امرأة ستصبحُ امرأة واحدة هي كل النساء في عين رجل وسيصبح رجل واحد هو كل الرجال في عين امرأة !
اعتباراً من هذه اللحظة لن يهرب الرجل من حيوان مفترس ويترك امرأته له ليتسنى له أن يبتعد لمكان آمن سيقف أمامه ليدافع عنها بشراسة لأن الحياة لا تساري شيئاً من دونها ولن تنتظر امرأة عودة رجل من الصيد ليطعمها ستبقى قلقةً منتظرة عودته لتختبئ في صدره وتخبره أن الوقت في غيابه ثقيل كحجارة الجبل !
اعتباراً من هذه اللحظة سيرفع الرجل أشهى لقمة في عينيه ويضعها في فم امرأته ويقول لها : كُلي كي أشبع وسترفع هي لقمةً أخرى وتضعها في فمه وتقول له : كُن معي كي أكون ؟
| اعتباراً من هذه اللحظة إذا غضب رجل من امرأته لن يلقيها خارج الكهف سيستلقي بقربها ويعطيها ظهره فقط !
ولكن الليل سيكونَ طويلاً جداً عليه لأنه يعرف أن المكان الطبيعي لرأسها على صدره ا وسيشعر بضعف لذيذ تجاهها عتبة وسيفعل أشياء كثيرة تُحبها لترضى . . . وهي ستصالحه كأن شيئاً لم يكن لأنها ستشعرُ أن المسافة القصيرة بين رأسها وصدره موحشة ولو كان نائماً جانبها !
اعتباراً من هذه اللحظة سيحاول الرجل أن يكون أكثر حذراً وهو يصطاد لأنه بعلمُ أن امرأة تريد منه أن يعود سالماً ولو عاد دون طعام وستحاول هي أن تكون أكثر جمالاً وفتنة حين يعود لأنها تعرف ما معنى أن تكون شهيةً في عينيه اعتباراً من هذه اللحظة ستقول النظرات ما لا تقوله الكلمات وستقول باقة الورد ما لا تقوله مئات القصائد وسيقول عناق طويل ما تعجرُ عنه اللغة مهما حاولت دونه أن تقول !
۔ ۔ ۔ ضع كفك وأشعل هذا العالم ، هذا العالم دون الحب صقيع لا يُطاق !
ودون تفكير وضع كفه في الكف المنقوشة على مقاس كفه أسفل الجدار فاحترق . . . واشتعل هذا العالم ..
تعليقات
إرسال تعليق